نواف سلام: لبنان بحاجة إلى صفحة جديدة لبناء مؤسسات قادرة واستعادة الاستقرار

كتب: هاني سليم

بمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة، وجه رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام رسالة عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، حيث هنأ اللبنانيين جميعًا، والمسلمين بشكل خاص، بحلول هذه المناسبة الدينية العزيزة. وأكد سلام في رسالته على ضرورة استثمار هذه اللحظة لتجديد الالتزام بمسار بناء الدولة، والعمل على تأسيس مؤسسات قوية وفاعلة يمكنها أن تحقق الاستقرار وتستعيد ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.
رسالة الأمل والتجديد
وأشار رئيس الحكومة إلى أن هذه المناسبة هي فرصة للتفكير والتأمل في التحديات التي يواجهها لبنان، معتبراً أنها تمثل نقطة انطلاق جديدة نحو مرحلة من التجديد والعمل المشترك. وقال: “نأمل أن تكون هذه المناسبة فرصة لتجديد الالتزام بمسار بناء الدولة، ولتأسيس مؤسسات قادرة على تعزيز الاستقرار، وبالتالي استعادة ثقة المواطنين، الذين هم في صلب هذا المسار”.
وتابع سلام مؤكدًا على أهمية الوحدة الوطنية في هذا السياق، قائلاً: “لبنان اليوم، وفي هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها، بحاجة إلى صفحة جديدة. صفحة نكتبها معًا، بكل إرادة وتصميم”. هذه الدعوة ليست مجرد كلمات موجهة إلى الشعب اللبناني، بل هي دعوة حقيقية للتحرك والعمل الجاد على مستوى كل الأطراف السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، لتجاوز المرحلة الصعبة التي يمر بها البلد.
التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه لبنان
تأتي تصريحات رئيس الحكومة في وقت حرج للغاية بالنسبة للبنان. فلبنان، الذي كان يعد في يوم من الأيام نموذجًا في المنطقة من حيث الاستقرار السياسي والاقتصادي، يعيش اليوم حالة من التدهور على كافة الأصعدة. الأزمة السياسية المستفحلة، الناتجة عن الانقسام الحاد بين القوى السياسية، أدت إلى حالة من الفراغ الحكومي وعدم الاستقرار المؤسساتي. كما أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، والتي تفاقمت بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، جعلت من الحياة اليومية للبنانيين معاناة مستمرة.
التضخم، انهيار العملة الوطنية، وارتفاع معدلات البطالة، جعلت الوضع الاجتماعي في لبنان أكثر صعوبة. كما أن العديد من القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة، تعرضت لانتكاسات كبيرة نتيجة قلة الموارد وضعف الدولة في تقديم الخدمات الأساسية. هذا الوضع، إلى جانب تزايد مشاعر الإحباط لدى المواطن اللبناني، يفرض على الحكومة وكل القوى السياسية، إيجاد حلول جذرية تكون قادرة على إعادة بناء الثقة في الدولة.
ضرورة التعاون والعمل المشترك
إن دعوة رئيس الحكومة لتجديد الالتزام بمسار بناء المؤسسات ليست مجرد دعوة نظرية، بل هي نداء عملي لجميع الأطراف اللبنانية. فبناء دولة قوية وفاعلة يتطلب التعاون بين مختلف الجهات السياسية والاجتماعية لتحقيق أهداف مشتركة. وحده العمل الجماعي والتنسيق بين جميع المكونات السياسية في لبنان يمكنه أن يؤدي إلى إرساء الاستقرار واستعادة الثقة في المؤسسات.
هذا التعاون يجب أن يتجاوز التنافسات السياسية الضيقة، ويتجه نحو مصلحة لبنان العليا التي تتمثل في استعادة عافيته الاقتصادية والسياسية. فالمجتمع الدولي أيضًا يترقب تطور الوضع في لبنان، ويشترط وجود استقرار داخلي حقيقي كأساس لأي دعم أو مساعدة قد تُقدّم للبنان في هذه المرحلة.
الخطوات المطلوبة من الحكومة اللبنانية
لقد حان الوقت لتطبيق خطوات عملية وفعالة، وليس مجرد تصريحات. أولاً، يجب العمل على تشكيل حكومة قادرة على تحقيق التوافق السياسي، بحيث تمثل جميع المكونات اللبنانية. ثانياً، ينبغي إقرار سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي تشمل إصلاح قطاع الكهرباء، وتحسين آليات جمع الضرائب، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، بالإضافة إلى تقديم حوافز للاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تساهم في تحريك الاقتصاد الوطني.
كما أن تعزيز سيادة القانون، ومكافحة الفساد بشكل جاد، سيكونان من العوامل الأساسية التي تساهم في بناء الثقة بين الدولة والمواطنين. الحكومة اللبنانية يجب أن تضع خططًا واضحة للحد من هذه الظواهر التي أضرت بالبلاد على مدار السنوات الماضية.
لبنان في مرحلة مفصلية
لقد وصل لبنان إلى مفترق طرق، حيث لا يمكن للبنانيين أن يستمروا في التعايش مع الأزمات السياسية والاقتصادية كما كان الحال في السنوات الماضية. في هذا الوقت الحرج، تعد دعوة رئيس الحكومة اللبناني إلى “صفحة جديدة” دعوة لكتابة تاريخ جديد مبني على الشراكة الوطنية، والشفافية، والعمل الجاد لبناء دولة تضمن الحقوق وتحقق العدالة للجميع.
إن إرساء الاستقرار في لبنان ليس مجرد هدف اقتصادي أو سياسي، بل هو حاجة إنسانية تتعلق بمستقبل الأجيال القادمة. ولذا فإن جميع الأطراف المعنية، من قوى سياسية، منظمات مجتمع مدني، وقطاع خاص، يجب أن تضع مصالح لبنان العليا فوق أي اعتبار آخر.