جنبلاط يوجّه رسالة تهنئة إلى القيادة الروسية عبر بوغدانوف

كتب: هاني سليم

في خطوة تعبّر عن استمرار العلاقات التاريخية والاحترام المتبادل بين القيادات اللبنانية والروسية، أجرى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، وليد جنبلاط، اتصالاً هاتفياً بنائب وزير الخارجية الروسي، والمبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، قدّم خلاله التهنئة الحارة إلى القيادة الروسية بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار على الفاشية في الحرب العالمية الثانية، التي تصادف التاسع من أيار، والتي تُعدّ من أهم المناسبات الوطنية في روسيا.
وخلال الاتصال، طلب جنبلاط من بوغدانوف نقل تهانيه الشخصية إلى كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، مؤكداً تقديره الكبير للدور التاريخي الذي اضطلع به الاتحاد السوفيتي في مواجهة الفاشية والنازية خلال الحرب العالمية الثانية، وهي مواجهة كلّفت الشعب السوفيتي ملايين الضحايا، لكنها في الوقت ذاته شكّلت لحظة مفصلية في الدفاع عن الحضارة الإنسانية وقيم الحرية والعدالة.
واعتبر جنبلاط أنّ ذكرى الانتصار لا تخص الشعب الروسي فحسب، بل هي مناسبة إنسانية عالمية يجب أن تبقى حية في وجدان جميع الشعوب، نظراً لما تمثّله من انتصار على أعتى أنظمة القهر والاستبداد في التاريخ المعاصر. كما أشار إلى أن التاريخ لا يمكن أن يُنسى، وأن الشعوب التي قدّمت التضحيات الكبرى من أجل انتصار البشرية على الفاشية تستحق الاحترام والاعتراف الدائم.
موقف لبناني ثابت من قضايا العدالة التاريخية
ولفت جنبلاط إلى أن لبنان، على الرغم من صغر حجمه الجغرافي، لم يكن يوماً بعيداً عن قضايا العالم الكبرى، بل ظلّ منخرطاً في معارك الحرية والكرامة، ويثمّن عالياً كل جهد إنساني ساهم في كبح جماح الفاشية والنازية وإعادة التوازن الأخلاقي إلى النظام العالمي. وأوضح أن استعادة هذه المناسبات في أذهان الأجيال الجديدة تُمثل ضرورة أخلاقية وتربوية من أجل حماية العالم من تكرار مآسي الحروب والاستبداد.
كما أكّد جنبلاط على أهمية تعزيز التواصل مع روسيا الاتحادية، باعتبارها دولة ذات ثقل دولي وتاريخ عريق في السياسة والدفاع عن السيادة الوطنية للدول، مشيداً بالدور الذي تؤدّيه موسكو في دعم قضايا الشعوب وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد أزمات متلاحقة تحتاج إلى حكمة وتوازن في التعاطي، وهي صفات لطالما عُرفت بها السياسة الروسية الخارجية.
بوغدانوف يرحب بالمبادرة ويؤكد على عمق العلاقة
من جانبه، رحّب نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بمبادرة جنبلاط، معتبراً أن هذه التهنئة تعكس عمق العلاقة التي تربط بين روسيا والقيادات اللبنانية. وأشار إلى أن موسكو تقدّر عالياً التواصل المستمر مع شخصيات لبنانية وازنة مثل وليد جنبلاط، لما يمتلكه من تجربة سياسية طويلة ورؤية متّزنة في ما يخص قضايا المنطقة.
وأكد بوغدانوف أنّ القيادة الروسية تولي اهتماماً خاصاً بلبنان واستقراره، وأن روسيا مستعدة دائماً للقيام بدور فاعل في دعم الحلول السياسية للأزمات اللبنانية، على قاعدة احترام السيادة والتنوع والتوازن الوطني. كما جدّد التزام روسيا بالحوار مع كافة الأطراف اللبنانية من أجل الحفاظ على السلم الأهلي ودعم المؤسسات الدستورية.
ذكرى الانتصار… بعد ثمانين عاماً
تُعدّ الذكرى السنوية للانتصار على الفاشية مناسبة وطنية مقدّسة في روسيا، حيث يتم الاحتفال بها سنوياً في التاسع من أيار، بإقامة عروض عسكرية ضخمة ومراسم تخليد لذكرى الجنود السوفييت الذين سقطوا في الحرب العالمية الثانية. ويُقدّر عدد ضحايا الاتحاد السوفيتي في تلك الحرب بأكثر من 26 مليون شخص، ما يجعل من هذه الذكرى حدثاً يحمل أبعاداً سياسية وإنسانية وثقافية عميقة في الوجدان الروسي.
وفي ظل التحولات الدولية الراهنة، يكتسب إحياء هذه المناسبة بعد ثمانين عاماً أهمية استثنائية، حيث تحرص موسكو على التأكيد على دورها التاريخي في إنقاذ العالم من الفاشية، وعلى تمسكها بالقيم التي دفعت ملايين السوفييت إلى النضال والتضحية.
رسالة تتجاوز الشكل إلى المعنى
اتصال جنبلاط ببوغدانوف في هذه المناسبة لا يقتصر على البعد البروتوكولي أو المجاملة الدبلوماسية، بل يحمل في طياته رسالة واضحة حول تمسّك القيادة السياسية اللبنانية بالحوار والانفتاح، وحرصها على بناء علاقات متوازنة مع القوى الدولية، وفي مقدّمتها روسيا، التي حافظت على سياسة خارجية قائمة على احترام سيادة الدول واستقلال قراراتها.