سياسة

جنوب لبنان بلا فرحة العيد: بين الحزن والقلق من عودة الحرب

في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة والأزمة الاقتصادية الخانقة، يغيب الفرح عن شوارع وقرى جنوب لبنان، حيث تطغى مشاعر الحزن والقلق على أجواء العيد. فبينما كانت الأيام الأخيرة من شهر رمضان تشهد عادة تحضيرات واحتفالات تمهيداً لاستقبال العيد، تبدو الأوضاع مختلفة هذا العام، إذ يعيش الأهالي حالة حرب مستمرة وسط القصف الإسرائيلي المتكرر، والتهديدات التي لا تتوقف، وآخرها التصعيد العسكري الذي شهدته المنطقة إثر إطلاق صواريخ من لبنان يوم الأربعاء الماضي.

الجنوب اللبناني، الذي طالما كان ينبض بالحياة في مثل هذه المناسبات، يعيش اليوم على وقع الخوف والترقب. فبجانب التهديدات الأمنية، يواجه السكان أزمة معيشية خانقة زادت من معاناتهم، حيث فقد كثيرون منازلهم، وخسر آخرون أعمالهم، بينما يعيش معظمهم في حالة من عدم الاستقرار الدائم.

على عكس السنوات السابقة، لم تشهد الأسواق حركة نشطة قبل العيد، ولم ترتفع أصوات الأطفال فرحين بشراء ملابس جديدة، بل حلّت مشاعر القلق والخوف مكان البهجة المعتادة.

نجاة، أم لطفلين من بلدة برج الشمالي (قضاء صور)، تصف المشهد قائلة: “لا استعدادات ولا أجواء عيد هنا. نحن نعيش حرباً لم تنتهِ بعد. قبل أيام فقط، كدنا نترك منازلنا مجدداً بسبب التصعيد الإسرائيلي”. وتضيف: “زوجي يعمل في مطعم، لكن راتبه بالكاد يكفي لسد الاحتياجات الأساسية. خلال فترة النزوح، استنفدنا كل مدخراتنا، ولم نعد قادرين على تحمل نفقات إضافية، لذا قررنا عدم الاحتفال هذا العام”.

نجاة ليست وحدها، فكثير من العائلات الجنوبية قررت الاستغناء عن طقوس العيد المعتادة، بسبب الضغوط المعيشية والخوف من المجهول.

Men check the site of an Israeli strike in southern Beirut on March 28, 2025. Israel carried out air strikes in southern Lebanon on March 28 after its defence minister threatened Beirut over new rocket fire, rattling an already fragile truce that largely ended more than a year of hostilities with Hezbollah. (Photo by AFP)

رغم كل الظروف، تصر بعض العائلات على إدخال الفرح إلى قلوب أطفالها، وإن كان ذلك بأبسط الطرق. فاطمة سبليني، من بلدة تبنين في قضاء بنت جبيل، تقول: “لديَّ ثلاثة أطفال، ولا أريد أن يشعروا بالحزن… يكفي أنهم عاشوا ظروف الحرب وويلاتها”.

لذلك، لجأت فاطمة إلى خيار الشراء عبر الإنترنت، حيث اختارت ملابس العيد لأطفالها من أحد التطبيقات الصينية بأسعار مقبولة نسبياً. وتضيف: “لا يمكننا الاحتفال كالسابق، ولكنني قررت أن يكون هذا العيد للأطفال فقط”.

لم تعد الأسواق كما كانت في السابق، حيث كانت تعج بالمتسوقين قبيل العيد، بل أصبحت شبه خالية، فالخوف من القصف والاستهدافات الإسرائيلية المتكررة جعل الكثيرين يترددون في الخروج من منازلهم.

نسرين، وهي أم لطفلتين، تقول: “أخشى الذهاب إلى السوق. الأسبوع الماضي، كان زوجي قريباً من موقع الغارة في صور، ومنذ ذلك اليوم وأنا أشعر بالخوف من النزول إلى المدينة”. وتضيف: “سأؤجل شراء ملابس العيد لطفلتيّ إلى اللحظة الأخيرة، وحتى حينها، سأكون متوترة وخائفة”.

كانت مدينة صور، خاصة أسواقها القديمة وحي الرمل، وجهة أساسية لأبناء القرى الحدودية خلال فترة العيد، لكن هذا العام، تشهد الأسواق حالة من الركود، حيث تراجعت المبيعات بشكل ملحوظ.

يقول حسين، صاحب متجر لبيع الملابس الرجالية: “في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وصلت مبيعاتي إلى 5000 دولار، بينما اليوم لم تتجاوز 1200 دولار”. ويضيف: “حركة البيع ضعيفة جداً مقارنة بالسنوات الماضية، لكنها تبقى أفضل مما كانت عليه خلال الأسابيع السابقة”.

حتى محلات الذهب، التي كانت تشهد ازدحاماً كبيراً خلال فترة العيد، تأثرت بالأوضاع الأمنية. سيدة أربعينية تقف أمام أحد المتاجر في السوق القديم تقول: “كنت أشتري دائماً قطعة ذهبية جديدة في كل عيد، لكن هذا العام، لا يبدو الوقت مناسباً. قصدت السوق فقط لرؤية الأجواء، لكنني فوجئت بقلة الناس هنا”.

ورغم هذه الأوضاع الصعبة، لا تزال بعض الأماكن تشهد حركة تجارية مقبولة نسبياً، خصوصاً الكورنيش البحري، حيث تحاول بعض العائلات الترويح عن أطفالها في ظل الضغوط النفسية التي تعيشها.

غزوان حلواني، أمين سر جمعية تجار صور، يوضح أن أسواق المدينة كانت تشهد في العادة ذروة الانتعاش خلال الأسبوع الأخير من رمضان، لكنه يؤكد أن التصعيد الأخير أربك الوضع الاقتصادي بشكل كبير. ويضيف: “بدأت المدينة بلملمة جراحها بعد الضربة التي تلقتها، وكنا نأمل بموسم صيف جيد بعد عودة المغتربين، لكن الأوضاع الأمنية الحالية جعلت الأمور غير واضحة”.

ويختم قائلاً: “رغم كل شيء، فإن الأسواق بدأت تشهد تحسناً طفيفاً في الأيام الأخيرة، ما يعكس رغبة الناس في استعادة بعض أجواء الحياة الطبيعية، حتى ولو بحدود ضيقة”.

في الجنوب اللبناني، يبقى العيد مختلفاً هذا العام، حيث تتشابك الأحزان مع ذكريات الفقد والخوف من المستقبل. ومع ذلك، يحاول الجنوبيون، ولو بطرق بسيطة، الحفاظ على بعض الطقوس وإدخال الفرح إلى قلوب أطفالهم، في انتظار يوم يعود فيه العيد بفرحه الحقيقي، بعيداً عن أصوات القصف وصفارات الإنذار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى