مال و أعمال

وزير المال ياسين جابر يعلن خطة لمكافحة التهرب الجمركي وتفعيل الرقابة

في خطوة تُعد من أبرز محاولات الإصلاح المالي والإداري في المرحلة الراهنة، أعلن وزير المال اللبناني، ياسين جابر، من العاصمة الأميركية واشنطن، أن الحكومة اللبنانية بصدد وضع خطة شاملة تهدف إلى وقف نزيف التهرب الجمركي الذي يُعد من أبرز مكامن الهدر المالي في الدولة اللبنانية.

جاء إعلان جابر خلال لقائه بنادي العاملين اللبنانيين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في لقاء حمل دلالات سياسية واقتصادية تعكس توجهًا عمليًا جديدًا تسعى الحكومة اللبنانية لاعتماده في مرحلة ما بعد الوعود.

وأوضح الوزير أن الحكومة بدأت بالفعل مفاوضات مع عدد من الشركات المتخصصة لتركيب أجهزة كشف متطورة (سكانرز) على جميع المرافق الحدودية في لبنان، سواء البرية أو البحرية أو الجوية، مشيرًا إلى أن هذه الأجهزة ستسهم في تحسين الرقابة على البضائع، والكشف عن أي محاولات تهرب أو تلاعب في التصاريح الجمركية، وهو ما طالما شكّل ثغرة خطيرة في الاقتصاد اللبناني.

ولفت جابر إلى أن الخطة الموضوعة لا تقتصر على تركيب الأجهزة فحسب، بل تتضمن آلية متكاملة لضمان صيانتها الفورية حال تعطلها، وهو ما يشير إلى إدراك رسمي بأن فاعلية هذه الأجهزة تعتمد على استمرارية تشغيلها وكفاءتها التقنية، وليس مجرد وجودها الشكلي في المراكز الحدودية.

اللافت في حديث الوزير جابر هو النبرة الحاسمة التي تبناها في تأكيده على أن المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لم تعد تنتظر من لبنان المزيد من الوعود أو التصريحات العامة، بل التنفيذ العملي والحقيقي للإصلاحات المطلوبة، والتي تأخرت لعقود. واعتبر جابر أن ما يميز المرحلة الحالية هو أن الحكومة – التي وصفها بأنها “حكومة إصلاح” – تتجه إلى التطبيق، في إشارة إلى بدء مرحلة جديدة من العمل الجاد على الأرض.

ويأتي تصريح جابر في وقت يواجه فيه لبنان أزمة مالية غير مسبوقة، تفاقمت بفعل الفساد المزمن، وسوء الإدارة، وغياب الرقابة على المنافذ الحدودية، ما أتاح لعمليات التهريب أن تنمو بشكل خطير، متسببة في خسائر تقدر بمليارات الدولارات سنويًا. وتُعد المعابر الجمركية أحد أكثر الملفات حساسية في ملف الإصلاح، خصوصًا أن التهرب الجمركي يمسّ إيرادات الدولة مباشرة ويؤثر سلبًا على ثقة المجتمع الدولي في قدرة لبنان على ضبط موارده.

يعكس توجه الحكومة نحو تركيب أجهزة السكانرز بُعدًا مزدوجًا: تقني وإداري. فمن جهة، ستُسهم هذه الخطوة في تحديث البنية التحتية الجمركية، ما يتيح إمكانية تتبع السلع والبضائع بدقة، ويساعد على كشف التلاعب والتزوير. ومن جهة أخرى، فإن الخطة تتضمن إشرافًا مباشرًا من وزارة المالية، الأمر الذي يعني أن المسألة تتعدى الجوانب التقنية لتلامس البنية الإدارية والمؤسساتية للرقابة المالية في لبنان.

لكن السؤال المطروح: هل يكفي تركيب الأجهزة وحده لتحقيق الإصلاح؟
الجواب بحسب خبراء اقتصاديين، لا. إذ تتطلب المعركة ضد التهريب الجمركي إصلاحات متزامنة تشمل تدريب الكوادر الجمركية، ورفع مستوى الشفافية في المعاملات، وربط البيانات بين المراكز الحدودية، فضلًا عن إرادة سياسية حازمة للتصدي لأي تدخلات أو مصالح فئوية تُبقي على التهريب قائمًا.

إن عقد اللقاء في واشنطن، بالتحديد مع نادي العاملين اللبنانيين في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يحمل دلالة رمزية مهمة. فهو يشير إلى سعي الحكومة اللبنانية لتفعيل جسور التعاون مع الجاليات المهنية اللبنانية المنتشرة في مواقع القرار الدولي، واستثمار خبراتهم في خدمة مشاريع الإصلاح والتنمية داخل لبنان.

وقد يُفهم من هذا اللقاء أيضًا أنه جزء من حملة لبناء الثقة مع المؤسسات المالية الدولية، في وقت يتطلع فيه لبنان للحصول على مساعدات أو تسهيلات مالية مرهونة بتطبيق إصلاحات هيكلية ملموسة.

تشير تصريحات الوزير ياسين جابر إلى أن الحكومة اللبنانية تحاول إرسال إشارات إيجابية إلى الداخل والخارج، مفادها أن مرحلة التردد قد انتهت، وأن ما يطلبه الشارع اللبناني والمجتمع الدولي من تطبيق فعلي للخطط الإصلاحية بات ضمن الأولويات. إلا أن المراقبين يحذرون من أن التنفيذ لا يزال مرهونًا بالإرادة السياسية الجماعية، وبمدى قدرة الحكومة على تجاوز الضغوط الداخلية والمصالح المتشابكة التي عطلت كثيرًا من المبادرات السابقة.

وفي المحصلة، فإن ما أُعلن في واشنطن لا يُعد خطة تقنية فقط، بل يمثل اختبارًا جديدًا لمدى جدية لبنان في استعادة ثقة الداخل والخارج، ووضع حد للهدر والفساد، الذي طالما شكّل العقبة الأكبر أمام تعافي البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى