لبنان في قلب العاصفة: تصعيد أمني وضغوط دولية وسعي داخلي للإنقاذ الاقتصادي

كتبت ماريان مكاريوس
يدخل لبنان ربيع 2025 وسط مشهد معقد يختلط فيه التصعيد الحدودي مع إسرائيل بالتجاذبات السياسية حول سلاح “حزب الله”، في وقت تحاول فيه الحكومة اللبنانية إحداث اختراق اقتصادي عبر إصلاحات تأخرت طويلاً، بينما يبقى الشارع اللبناني رهينة أزمات معيشية متراكمة لا تُنذر بانفراجة قريبة.
الجنوب اللبناني مجددًا على خط النار
خروقات متواصلة للقرار الدولي 1701، وغارات إسرائيلية شبه يومية تستهدف البنية التحتية ومراكز حيوية في الجنوب، كان آخرها تدمير مركز طبي في بلدة الناقورة، ومقتل مدنيين بينهم أطفال ونساء. كما شهدت بلدة عيترون هجومًا بطائرة مسيّرة استهدفت سيارة، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين، في عملية وصفتها تل أبيب بأنها “نوعية ضد هدف قيادي في حزب الله”.
تؤكد تقارير الأمم المتحدة أن 71 مدنيًا لبنانيًا لقوا حتفهم منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، وهو ما يعيد إلى الأذهان سيناريوهات التصعيد المفتوح الذي يدفع ثمنه المواطن اللبناني بالدرجة الأولى. ورغم عدم وجود إعلان رسمي لحرب شاملة، إلا أن مؤشرات التوتر الحدودي تُنذر بتطورات خطيرة، خصوصًا في ظل تعثر المساعي الدبلوماسية.
سلاح حزب الله مجددًا إلى الواجهة
على وقع هذا التصعيد، يعود ملف سلاح “حزب الله” إلى طاولة النقاش المحلي والدولي. وفي موقف لافت، أعلن الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون أن معالجة قضية سلاح الحزب لا يمكن أن تتم بالقوة، بل عبر حوار وطني شامل يندرج ضمن استراتيجية دفاعية واضحة تحافظ على السيادة وتراعي التوازنات الداخلية.
في المقابل، أبدى الحزب، عبر مصادره، استعدادًا لمناقشة هذا الملف، لكن بشروط، أولها وقف العدوان الإسرائيلي وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلة. ويبدو أن “حزب الله” يدرك حجم الضغوط الأمريكية المتصاعدة، لكنه يراهن على الوقت والمناخ الإقليمي لتأجيل أي نقاش جوهري حول سلاحه.
الجدير بالذكر أن الدعوات الغربية الأخيرة لنزع سلاح الحزب تأتي في إطار ربط المساعدات الدولية للبنان بإصلاحات سياسية وأمنية، وهو ما يضع الحكومة أمام خيارات صعبة، بين ضغوط الخارج وحسابات الداخل.
أزمة اقتصادية.. محاولات الإنقاذ لا تزال خجولة
اقتصاديًا، تحاول الحكومة اللبنانية بقيادة وزير المالية ياسين جابر رسم مسار جديد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من انهيار مالي غير مسبوق. وفي خطوة رمزية، أعلن جابر عن نية الحكومة التواصل مع حملة السندات الدوليين لإعادة هيكلة الدين السيادي الذي يلامس 31 مليار دولار.
يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه السندات اللبنانية تحسنًا طفيفًا، حيث تراوحت قيمتها بين 15 و16 سنتًا للدولار، ما يعكس تفاؤلًا مشروطًا من قبل المستثمرين، لكن دون أي التزامات واضحة من المؤسسات المالية الدولية التي ما تزال تشترط إصلاحات بنيوية، خصوصًا في القطاع المصرفي والقضائي.
مصادر اقتصادية لبنانية ترى أن ما أُعلن عنه حتى الآن لا يشكل أكثر من “نية” إصلاحية، لا سيما في ظل غياب إطار زمني واضح للإجراءات الحكومية، واستمرار الانقسامات السياسية التي تعيق إقرار مشاريع القوانين المطلوبة.
الشارع… قلقٌ وصامت
ورغم غليان الملفات الكبرى، يعيش الشارع اللبناني حالة من القلق والانتظار. فقد باتت الأولويات المعيشية تطغى على أي نقاش سياسي، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات، واستمرار تدهور الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وطبابة.
ويُسجَّل حاليًا تراجع لافت في الحراك الشعبي، نتيجة عوامل متراكمة تشمل الإحباط من عدم تحقيق أي تغيير ملموس، إضافة إلى الخوف من الفوضى الأمنية، خصوصًا بعد تنامي عمليات التهريب وتزايد حوادث السطو المسلح التي تشير إلى حالة تفكك اجتماعي مقلقة.
المشهد إلى أين؟
تحمل المرحلة المقبلة أكثر من سيناريو مفتوح، إذ لا يمكن فصل التصعيد الحدودي عن المسار السياسي المرتبط بسلاح “حزب الله” وإمكانية التوصل إلى تسوية داخلية برعاية دولية. لكن في ظل غياب توافق داخلي حول الأولويات، واستمرار الاستقطاب الإقليمي والدولي، يبدو أن لبنان ماضٍ في دوامة الانتظار القاتل.
فهل ينجح الداخل اللبناني في التقاط لحظة الحوار قبل الانفجار؟ أم أن لعبة الوقت ستؤدي إلى انفجار أمني أو اقتصادي يصعب احتواؤه؟ يبقى الأمل معلقًا على قدرة اللبنانيين على صنع تسوية وطنية تخرج البلاد من دائرة الانهيار إلى مسار التعافي.