مال و أعمال

كهرباء لبنان تبدأ معركة نزع التعديات عن الشبكة

في خطوة وُصفت بالجريئة والمنتظرة منذ سنوات، أعلنت مؤسسة “كهرباء لبنان” عن انطلاق حملات ميدانية واسعة النطاق لإزالة التعديات عن الشبكة الكهربائية على مختلف الأراضي اللبنانية، بمواكبة من القوى الأمنية. وتأتي هذه الخطوة في سياق محاولات المؤسسة إعادة تنظيم قطاع الكهرباء وضمان توزيع عادل للتيار على جميع المناطق، في ظل أزمة خانقة يعيشها اللبنانيون منذ أكثر من عقد.

خلفية الأزمة: كهرباء مأزومة ودولة مثقلة

منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، ظلّ ملف الكهرباء واحدًا من أعقد الملفات وأكثرها استنزافًا للخزينة العامة. فقد شكّل العجز المتراكم في مؤسسة “كهرباء لبنان” أحد أبرز أسباب تفاقم الدين العام، مع تقديرات رسمية تشير إلى أن خسائر هذا القطاع بلغت مليارات الدولارات خلال العقود الماضية.
ويعود جزء كبير من هذه الخسائر إلى الهدر “غير الفني”، أي التعديات المباشرة على الشبكة وسرقة التيار من قبل أفراد أو جماعات، إضافة إلى الأعطال الفنية وضعف الاستثمار في البنية التحتية. وقد تحوّلت هذه الظاهرة إلى معضلة مزمنة، حيث اعتاد كثيرون على استهلاك الكهرباء مجانًا، ما أدى إلى إضعاف قدرة المؤسسة على الجباية وتوفير الخدمة.

مضمون البيان: لا استثناءات ولا تساهل

في بيانها الأخير، أكدت مؤسسة “كهرباء لبنان” أن الحملة تستهدف جميع المعتدين على الشبكة دون أي استثناء، مشيرة إلى أنها ستسطر محاضر ضبط بحق المخالفين، وستلجأ إلى القضاء لملاحقة كل من يرفض تسوية أوضاعه أو يعود إلى التعدي مجددًا.
وشددت المؤسسة على أن هذه الخطوة ليست مجرد إجراء إداري، بل هي واجب وطني يرتبط بمبدأ المساواة بين المواطنين، بحيث يتحمّل الجميع المسؤوليات نفسها مقابل الحقوق نفسها، بعيدًا عن منطق الاستثناءات أو المناطق المحمية.

أهمية الحملة: نحو عدالة في توزيع التيار

ترى المؤسسة أن نزع التعديات يشكل خطوة أساسية لتقليص الهدر وتحسين التغذية بالتيار الكهربائي، بما يسمح بزيادة ساعات التغذية الرسمية وتقليص الاعتماد على المولدات الخاصة التي أثقلت كاهل المواطنين بفواتير مضاعفة.
كما أن هذه الخطوة، بحسب البيان، تأتي انسجامًا مع متطلبات الدول والمنظمات المانحة التي تشترط إصلاح القطاع كمدخل أساسي لتقديم أي دعم مالي أو تقني. وبالتالي فإن الحملة تحمل بعدًا اقتصاديًا وسياسيًا، إذ تسعى إلى إعادة الثقة بقدرة لبنان على إدارة قطاعاته الحيوية.

التحديات المتوقعة: مقاومة شعبية وضغوط سياسية

رغم الأهمية القصوى لهذه الإجراءات، إلا أن طريق التنفيذ لن يكون سهلًا. فالتعديات على الشبكة لم تكن مجرد تجاوزات فردية، بل ارتبطت أحيانًا بواقع اجتماعي واقتصادي صعب، حيث اعتبرها بعض اللبنانيين “حلاً اضطراريًا” في ظل الانقطاعات المستمرة وفواتير المولدات الباهظة.
إضافة إلى ذلك، لطالما اصطدمت محاولات سابقة لنزع التعديات بعراقيل سياسية أو بضغط من قوى محلية خشية خسارة نفوذها الشعبي. وهذا ما يجعل المراقبين يتساءلون عما إذا كانت المؤسسة قادرة فعلاً على الاستمرار بهذه الحملة دون تراجع أو مساومات.

مردود متوقع على المدى المتوسط

في حال نجحت الحملة في تقليص نسبة الهدر، فإن مردودها الإيجابي قد يظهر سريعًا في زيادة عدد ساعات التغذية وتخفيف الأعباء المالية عن المؤسسة. وهو ما قد يفتح الباب أمام خطط أكثر شمولية لإصلاح القطاع، بدءًا من تحسين الجباية وصولًا إلى تطوير مصادر إنتاج الطاقة.
كما أن تطبيق القانون بشكل صارم على جميع المخالفين قد يساهم في إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة، بعدما شعر كثيرون لسنوات بأن القانون يُطبّق بانتقائية أو يخضع لمساومات.

دعوة للتعاون الشعبي

وختمت مؤسسة “كهرباء لبنان” بيانها بمناشدة المواطنين التعاون مع الفرق الميدانية، مؤكدة أن هذه الجهود ستنعكس مباشرة على تحسين الخدمة وضمان استمرارية هذا القطاع الحيوي. كما وعدت المؤسسة بإصدار نشرات دورية تضع الرأي العام في صورة النتائج المتحققة، في محاولة لإظهار الشفافية وإشراك الناس في متابعة مسار الإصلاح.

بهذا، يمكن القول إن معركة “كهرباء لبنان” ضد التعديات ليست مجرد إجراء تقني، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على فرض القانون في قطاع استراتيجي، وعلى استعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي في آن واحد. وبين الحزم المطلوب والظروف الاجتماعية القاسية، يبقى الرهان على استمرار هذه الخطوة وعدم توقفها عند حدود الشعارات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى