في ذكرى كمال جنبلاط… ضمير الوطن وصوت التغيير

كتبت : ماريان مكاريوس
تحلّ الذكرى السنوية لاغتيال كمال جنبلاط، أحد أبرز رجالات الفكر والسياسة في لبنان والعالم العربي، لتعيد إلى الواجهة سيرة رجل تخطّى حدود الزعامة السياسية، ليكرّس حياته مشروعًا وطنيًا وفكريًا وإنسانيًا نادر المثال.
ولد كمال جنبلاط عام 1917 في بلدة المختارة – الشوف، ونشأ في كنف أسرة عريقة، حملت إرثًا سياسيًا ووطنياً كبيرًا. تابع دراسته الجامعية في فرنسا، حيث تخصّص في الفلسفة، ما أسهم في صقل رؤيته الفكرية العميقة التي انعكست لاحقًا في مسيرته السياسية والثقافية.
أسّس الحزب التقدمي الاشتراكي عام 1949، واضعًا نصب عينيه بناء دولة مدنية عادلة، تقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة وكرامة الإنسان. لم يكن الحزب مجرد أداة سياسية، بل منصة فكرية للنهوض بالإصلاحات في مجالات التعليم والصحة والزراعة، والدفاع عن حقوق العمال والفئات المهمّشة.
عُرف جنبلاط بخطابه الوطني الجامع، وبدعوته الدائمة إلى إلغاء الطائفية السياسية باعتبارها العائق الأبرز أمام بناء الدولة الحديثة. وتميزت مواقفه بالشجاعة والوضوح، حيث لم يتردّد يومًا في رفع الصوت بوجه الظلم أو الانحراف عن القيم الديمقراطية.
ولم يكن السياسي وحده هو الذي يطغى على شخصية كمال جنبلاط، بل المفكر المتنوّر، الشاعر، الأديب، والروحاني الذي نسج من كتاباته رؤية شاملة للحياة. ترك مؤلفات غنية تناولت الدين والفلسفة والأدب والسياسة، وكان يؤمن بأن الإنسان هو القيمة العليا التي يجب أن تُبنى حولها كل الأنظمة.
اغتيل كمال جنبلاط في 16 آذار 1977، في واحدة من أشد محطات الحرب الأهلية اللبنانية سوداوية، لكن فكره لم يُغتل. لا يزال صوته حاضرًا في وجدان كل من يؤمن بالحرية والعدالة والتغيير.
إلى شباب اليوم… رسالة من ضمير الوطن
إن استذكار كمال جنبلاط ليس مجرد إحياء لذكرى رجل رحل، بل تجديد لعهد الالتزام بالقيم التي ناضل لأجلها. رسالته إلى الشباب كانت دائمًا دعوة إلى الوعي والانخراط في الشأن العام بعيدًا عن الانقسامات الضيقة والتبعية العمياء.
من أقواله الخالدة:
“من أراد أن يكون ثوريًا حقيقيًا، عليه أن يكون ثائرًا على ذاته أولاً.”
“الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع بوعي وإرادة.”
“الإنسان قيمة مطلقة… وكل ما دون ذلك زائل.”
إن سيرة كمال جنبلاط تبقى محفورة في الذاكرة الوطنية، ودروسه باقية لكل من يسعى إلى بناء وطن تسوده الكرامة، وتحكمه العدالة، ويقوده الفكر لا المصالح.