آخر الأخبار

الحكومة اللبنانية التي تخشى شبح العدالة

فضيحة جديدة للحكومة
تراجع مجلس الوزراء، الثلاثاء، عن طلبه السابق من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق والملاحقة القضائية في كلّ الجرائم المُرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ 7 أكتوبر، بما فيها تلك التي طالت الصحافيين والمسعفين ومتطوّعي الدفاع المدني. وهو طلب كان يستهدف بالدرجة الأولى ملاحقة المسؤولين عن اغتيال المصوّر الصحفي عصام عبدالله، استناداً إلى التقرير الصادر عن «المنظمة الهولندية للبحث العلمي» حول استشهاده، والذي يشكل مستنداً رسمياً يمكن تقديمه أمام المحاكم الدولية، وبينها المحكمة الجنائية.

الخوف من العدالة
لا تكمن الفضيحة في تراجع الحكومة وحسب، بل أيضاً في الأسباب التي يُرجَّح أنّها دفعتها للإقدام على خطوة كهذه. فعلى ما يبدو، خافت الحكومة أن تفتح على نفسها، وعلى القوى السياسية التي تتشكّل منها، باب المحاسبة والعدالة في ملفّات أخرى لا علاقة لها بجرائم الحرب الإسرائيلية. وما يعزّز هذا الاعتقاد هو أنّ تراجع الحكومة جاء بعد بضعة أيام على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة ملاحقة مسؤولين إسرائيليّين وقادة من حماس. وعملاً بقاعدة «الباب اللي بيجيك منّو الريح، سدّه واستريح»، قرّرت الحكومة إقفال باب العدالة على ملفّ عصام وسائر الجرائم، أيّا يكن مرتكبوها.

صديق المتحرّش
اللافت أيضاً أنّ من تقدّم باقتراح التراجع هو وزير الشباب والرياضة جورج كلاس الذي لم يُعرَف له إنجازٌ في وزارته، باستثناء كتابته مقالاً مؤخّرآً أغدق فيه المدائح على شخص محكوم عليه مدنياً في المحاكم الفرنسية، وكَنسياً في محكمة الفاتيكان، بُتَهم اغتصاب قاصرات. فلا عجب أنّ مَن قفز فوق العدالة ليمتدح المغتصبين، هو نفسه من يسعى جهده لمنع العدالة عن الصحافيّين والمسعفين وسائر الضحايا.

نظام مبنيّ على اللاعدالة
أيّا تكن فداحة هذا الأمر، ينبغي التذكير أنّ السلطات اللبنانية باتت صاحبة خبرة طويلة في حجب العدالة. وقد اختبرها اللبنانيون في السنوات الأخيرة في ثلاثة ملفّات، الاغتيالات وملف انفجار مرفأ بيروت وملف نهب أموال المودعين.

قام النظام الحالي على عدد من الاغتيالات والاقتتال الداخلي التي بقيت خارج أي عدالة أو عقاب. ورغم المطالبة بالعدالة وقيام محكمة دولية، بقيت العدالة مفقودة، ما أسّس لنظام عنفي، يسيطر عليه شبح القتل.
في الملفّ الثاني، لم تتردّد السلطات الحكومية والقضائية في ضرب السلك القضائي وشلّه بشكل شبه تامّ كي تتخلّص من الخطر الذي قد يشكّله عليها المحقّق العدليّ القاضي طارق بيطار. فما دامت الحكومة، ومن وراءها، لم تتمكّن من التأثير في مسار التحقيق، لا مانع من التخلّص من التحقيق والمحقّق والقضاء برمّته.
أمّا في الملف المصرفيّ، فلم تمانع الحكومة، ومعها مجلس النوّاب، في التعايش مع اقتصاد بلا مصارف، وفي «تشريع» نهب أموال المودعين، حمايةً للمجرمين داخل القطاع المصرفي، وعلى رأسهم الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، وحمايةً لأصحاب المصارف الذين لا يمانعون أن تطول الأزمة وتطول شرط ألا يُمَسّ برساميلهم وثرواتهم المهرّبة إلى الخارج.

قرّر جورج كلاس وزملاؤه في الحكومة ألا حاجة لنا للمحكمة الجنائية الدولية. فكما قال ذات مرّة مدّعي عام التمييز غسان عويدات لأهالي ضحايا انفجار المرفأ: مش أوّل ناس ماتوا، في كتير عالم ماتت بلبنان. العدالة لعصام غير ضرورية. الضروريّ هو حماية السلطة من أيّ عدالةٍ يلوح شبحُها من بعيد. فشبح العدالة، لا جرائم القتل، هو ما يرعب الحكومة اللبنانية وقواها السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى